الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية إلى متى ستتواصل جـ.رائم تقـ.تيل النساء وممارسة العنف الرقمي ضدّ المرأة في تونس، ومتى ستمارس الدولة دورها لإزاحة هذه العتمة؟

نشر في  30 جوان 2024  (15:15)

منذ أن اعتلت شابتين تونسيتين ركح قرطاج إلى جانب فنانيهما المفضّل سواء كان الامر تلقائيا أو مبرمجا له مسبقا، لم تفتأ حناجر عدد كبير من التونسيين تصدح تنديدا واستنكارا ونقدا وانتقادا ووصما بأبشع الأوصاف وأوقح النعوت ضد من لم تخطر ببالهما لحظة أنّ تعبيرات جسديهما ستخدش "حياءهم" وتُخالف أخلاقهم الحميدة وآدابهم العامة فتصيّران مذنبتين وحتّى آثمتين عند بعضهم الذي لا يقبل التعايش مع المختلفين عنه، والذي لا ينظر إلى المرأة سوى كونها "أنثى" ومجرّد جسد وعورة !! 

ولعلّ الخطير في الأمر وهو الذي يلفت الانتباه لدى الاطلاع على عدد من التعليقات غير المقبولة وغير المعقولة وحتّى غير الإنسانية واللاأخلاقية الموجّهة ضدّ الفتاتين، هو الكمّ الهائل من الحقد والإزدراء والكراهية المقيتة المجانية ودرجة الخطورة النابعة من نفوس مدوّنيها ظنّا منهم انّه يحق لهم شتم وسب واحتقار وتهديد وسحل من يشاؤون معنويا بل وحتّى تأليب من تغلغل فيهم الانحراف والإجرام وفي ذلك إمكانية لجرّهم إلى تنفيذ تهديداتهم العلنية المفصح عنها في العالم الافتراضي دون أي شعور بفداحة وجسامة ما ينشرونه من تعليقات وسط تنامي "ثقافة" الإفلات من العقاب وهم في ذلك خطّاؤون خاطئون..

هم خطّاؤون خاطئون كونهم لا يعلمون او لا يريدون العلم أو يتناسون ترسانة القوانين التي شُرّعت لحماية المرأة من كل أشكال العنف المسلّط نحوها هذا العنف المبني على العديد من الأسس من بينها التمييز القائم بين الجنسين وسواء كان هذا العنف ماديا أو لفظيا  معنويا (مباشرا  أو رقميا إلكترونيا).

 وفي دراسة لمركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة (الكريديف) يعرّف العنف الرقمي بأنّه "كلّ اعتداء أو تهديد باعتداء لفظي أو مادي أو جنسي أو اقتصادي أو نفسي يُمارس ضدّ المرأة اعتمادا على أيّ نوع من أنواع المحامل الرقمية، وتتمثّل أنواع العنف الرقمي في:

العنف اللفظي والتهديد عبر الفضاء الرقمي، انتحال هويّة على الفضاء الرقمي، نشر صور أصلية موجودة على الفضاء الرقمي العامّ دون إذن صاحبتها، ونشر صور مبدّلة أو التهديد بنشرها بغرض الابتزاز أو التشهير أو سواهما، نشر صور نُشرت في الفضاء الخاصّ، ذات طابع حميمي أو برنوغرافي أو التهديد بنشرها بغرض الابتزاز أو التشهير أو سواهما، الكشف عن معطيات شخصية أو التهديد بكشفها بغرض الابتزاز أو التشهير أو سواهما، التحرّش الجنسي، التهديد بالعنف المادي أو الجنسي، وتعنيف المرأة في الحياة الفعلية مع توثيقه ونشره عبر المحمل الرقمي".

وفي هذا الإطار وجبت الإشارة إلى أن الفصل الأوّل من القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 مؤرخ في 11 أوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة، قد أقرّ بأنّ هذا القانون يهدف إلى وضع كلّ التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية، وذلك بإتباع مقاربة شاملة تقوم على التصدي لمختلف أشكاله بالوقاية وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا والتعهد بهم.

كما بيّن الفصل 3 من ذات القانون انّ العنف ضد المرأة يشمل: "كل اعتداء مادي أو معنوي أو جنسي أو اقتصادي ضد المرأة أساسه التمييز بسبب الجنس والذي يتسبب في إيذاء أو ألم أو ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة ويشمل أيضا التهديد بهذا الإعتداء أو الضغط أو الحرمان من الحقوق والحريات، سواء في الحياة العامة أو الخاصة.

واعتبر ذات الفصل في منطوقه أيضا أنّ العنف المادي هو كل فعل ضار أو مسيئ يمسّ بالحرمة أو السلامة الجسدية للمرأة أو بحياتها كالضرب والركل والجرح والدفع والتشويه والحرق وبتر أجزاء من الجسم والإحتجاز والتعذيب والقتل.

أمّا العنف المعنوي فهو كل اعتداء لفظي كالقذف والشتم أو الإكراه أو التهديد أو الإهمال أو الحرمان من الحقوق والحريات والإهانة والتجاهل والسخرية والتحقير وغيرها من الأفعال أو الأقوال التي تنال من الكرامة الإنسانية للمرأة أو ترمي إلى إخافتها أو التحكم فيها.

كما أقرّ الفصل 4  من ذات القانون  بأنّ الدولة تتعهّد بالإحاطة بالمرأة ضحية العنف وفقا لعدد من المبادئ العامة من بينها اعتبار العنف ضد المرأة شكلا من أشكال التمييز وانتهاكا لحقوق الإنسان...

أمّا في القسم الثاني من قانون القضاء على العنف ضد المرأة فإنّه ووفقا للفصل 13 منه "تتمتع المرأة ضحية العنف وكذلك الأطفال المقيمون معها بالحقوق التالية:

-الحماية القانونية المناسبة لطبيعة العنف الممارس ضدها بما يكفل أمنها وسلامتها وحرمتها الجسدية والنفسية وكرامتها مع احترام خصوصياتها وما تتطلبه من إجراءات إدارية وأمنية وقضائية.

-النفاذ إلى المعلومة والإرشاد القانوني حول الأحكام المنظمة لإجراءات التقاضي والخدمات المتاحة،

- التمتّع وجوبا بالإعانة العدلية

-التعويض العادل لضحايا العنف في صورة استحالة التنفيذ على المسؤول عنه وتحل الدولة محل الضحايا في استخلاص المبالغ التي وقع صرفها.

-المتابعة الصحية والنفسية والمرافقة الإجتماعية المناسبة والتمتع بالتعهد العمومي والجمعياتي عند الإقتضاء بما في ذلك الإنصات...

في المقابل وعلى الرغم من الوعي بخطورة العنف المسلّط ضد المرأة ومع تعدّد النصوص القانونية التي تعاقب مرتكب العنف ضد المرأة بكل درجاته وكل أنواعه سواء كان ماديا أو معنويا وتكفل حقوق الضحية في تتبع الجاني وتضمن تسليط العقاب المستوجب ضدّه، إلّا أنّنا نستصدم دوما بقتامة الواقع الذي يحيلنا إلى تصاعد غير مألوف لجرائم تقتيل النساء خاصة من قبل أزواجهنّ أو من تصلهن به قرابة في ظلّ ترسّخ النظرة المجتمعية المتسامحة مع العنف القائم على الجنس.

فبالأمس فقط أي بتاريخ 29 جوان 2024 شهدت تونس جريمتين اثنين تزامنتا في ذات اليوم والتحقتا بسجّل الجرائم المتتالية ضدّ النساء والتي ارتفع منسوبها بوتيرة مفزعة لا متناهية، حيث عمد يوم أمس السبت في جريمة أولى موظف بأحد الوزارات إلى دهس طليقته ووالدتها بسيارته وذلك أمام منزلها بمنطقة وادي الليل وهما الآن في وضعية صحية حرجة للغاية. أمّا في منطقة سيدي عيش التابعة لولاية قفصة تعمّد رجل حرق زوجته مما تسبّب لها بحروق طالت 80 بالمائة من جسدها.

وفي تاريخ غير بعيد من ذات الشهر قُتلت الشابة انتظار ذات الثلاثين ربيعا ذبحا على يد زوجها ثاني يوم عيد الأضحى ولم ينفع حتّى بكاء طفليهما كي يستيقظ من وحشيته ودمويته.

وقد نددت جمعية النساء الديمقراطيات بهذه الجريمة البشعة واعتبرت أن "النساء تدفع ضريبة سيطرة علاقات الهيمنة الذكورية والتسلط على أجسادهن وحياتهن.. وأن التقتيل، هو آخر حلقات سلسلة العنف التي تحشر فيها النساء في بلد القانون عدد 58 المتعلق بمناهضة العنف ضد المرأة"، وشددت على أنّ "اليقين يزداد بأنّنا لم نتقدم بما يلزم وبما يكفي في اتجاه ضمان بيئة آمنة للنساء لا في الفضاء العام ولا في بيوتهن".

 ونذكر في ذات الصدد انّه تم الكشف من قبل جمعية أصوات نساء وجمعية المرأة والمواطنة بالكاف من خلال تسليط الضوء على حالات قتل النساء في سنة 2023 وتوثيقها، عن إحصائيات تؤكّد بأنّ سنة 2023، شهدت موجة مفزعة من جرائم قتل النساء قد بلغت 25 جريمة، ومن بين الضحايا، نجد 13 قتلن على يد أزواجهن، 3 نساء قتلن من طرف آبائهن، 4 نساء قتلن من قبل أقاربهن و5 قتلن من طرف مجهول. وقد قتلت 7 نساء بنفس الطريقة، أي بالطعن بآلات حادة، في حين قتلت 3 ذبحا و6 خنقا و4 قتلن نتيجة للضرب على الرأس.

كما تبيّن أيضا الإحصائيات الرسمية المنشورة أنّ عدد جرائم قتل النّساء تضاعف أربع مرّات من سنة 2018 إلى حدود جوان 2023 ليبلغ 23 جريمة قتل إلى حدود السّداسي الأوّل من سنة 2023 مقابل 6 جرائم قتل للنّساء سنة 2018. علما أنّ جلّ جرائم قتل النّساء، قد وقعت في المنزل بنسب بلغ أدناها 57% سنة 2020 وأقصاها 93% سنة 2021. كما سجّلت سنة 2024 منذ بدايتها 8 جرائم قتل نساء.

وبالرغم  من ارتفاع العديد من الأصوات الحقوقية المنادية بضرورة تدخل الدولة لإيجاد حلول جذرية كفيلة بمقاومة هذا النوع من الجرائم واتخاذ التدابير اللازمة لحماية النساء، وبمزيد دفع نسق حملات التوعية والإرشاد لسدّ تيّار الجريمة ودقّ ناقوس الفزع عمّا بات يشهده المجتمع التونسي اليوم إلّا أنّنا لم نسجّل على أرض الواقع سوى سقوط متتال لأرواح بريئة التحقت بكل من الفقيدات رفقة الشارني وصابرين وسعاد الصويدي، وفاء، مروى وانتظار، من اللواتي لم يكن ذنبهنّ إلّا أنّهن ولدن نساءا في مجتمع يمقت في طيف كبير منه المرأة حتى من قبل أختها المرأة فارتفعت الأرواح وقبرت الأجساد وتغيّرت الأسماء وحلّت الأوجاع لكنّ الظاهرة تصاعدت.

فإلى متى هذا الصمت المريب وإلى متى هذا السكوت عن جرائم قتل النساء وجرائم الإعتداء بالعنف المتنامية على شبكات التواصل الإجتماعي دون حسيب أو رقيب؟

منارة تليجاني